فضيلة العلامة د. ربيع بن هادي بن عمير المدخلي : الحمد لله ، والصلاة
والسلام على رسول الله ، وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه . أما بعد : فهناك
ظاهرة غريبة شائعة منتشرة في أوساط المسلمين ، ألا هي تسمية الدولة
اليهودية - المغضوب عليها - باسم " إسرائيل " ، ولم أرى أحدًا استنكر هذه
الظاهرة الخطيرة ، والتي تمس كرامة رسول كريم من سادة الرسل ، ألا وهو
يعقوب - عليه الصلاة والسلام - ، الذي أثنى الله عليه مع أبويه الكريمين :
إبراهيم وإسحاق في كتابه العزيز ؛ فقال - تبارك وتعالى - : ﴿ وَاذْكُرْ
عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي
وَالأَبْصَارِ . إِنَّا أَخْلَصْنَاهُم بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ .
وَإِنَّهُمْ عِندَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ ﴾ . [ ص : 45 -
47 ] . فهذه منزلة هذا الرسول الكريم في الإسلام فكيف يلصق باليهود ،
ويلصقون به !؟
ويسوق كثير من المسلمين اسمه في سياق ذم هذه الدولة فيقول : فعلت "
إسرائيل " كذا ، وفعلت كذا وكذا ، وستفعل كذا ، وهذا - في نظري - أمر منكر
لا يجوز مجرد وجوده في أوساط المسلمين ؛ فضلاً عن أن يصبح ظاهرة متفشية
تسري بينهم دون نكير ، من هنا وضعنا هذا السؤال والإجابة عنه ؛ فقلنا : هل
يجوز تسمية الدولة اليهودية - الكافرة الخبيثة - بـ " إسرائيل " ، أو "
دولة إسرائيل " ثم توجيه الذم والطعن لها باسم " إسرائيل " !؟
الحق أن ذلك لا يجوز ، ولقد مكرت اليهود مكرًا كبارًا حيث جعلت حقها حقًا
شرعيًا في إقامة دولة في قلب بلاد المسلمين باسم ميراث إبراهيم ، و "
إسرائيل " ، ومكرت مكرًا كبارًا في تسمية دولتها الصهيونية باسم " دولة
إسرائيل " ، وانطلت حيلتها على المسلمين - ولا أقول على العامة فحسب بل
على كثير من المثقفين - فاصبحوا يطلقون " دولة إسرائيل " بل اسم " إسرائيل
" في أخبارهم ، وفي صحفهم ومجلاتهم ، وفي أحاديثهم ، سواء في سياق الأخبار
المجردة ، أو في سياق الطعن والذم بل واللعن كل ذلك يقع في أوساط المسلمين
ولا نسمع نكيرًا مع الأسف الشديد .
لقد ذم الله اليهود في القرآن كثيرًا ، ولعنهم ، وحدثنا عن الغضب عليهم
لكن باسم اليهود ، وباسم الذين كفروا من بني إسرائيل لا باسم " إسرائيل "
- النبي الكريم - يعقوب - ابن الكريم - إسحاق - نبي الله ابن الكريم -
إبراهيم خليل الله - عليهم الصلاة والسلام - . ليس لهؤلاء اليهود أي علاقة
دينية بنبي الله " إسرائيل " يعقوب - عليه السلام - ، ولا بإبراهيم خليل
الله - عليه الصلاة والسلام - ، ولاحق لهم في وراثتهما الدينية ؛ إنما هي
خاصة بالمؤمنين ، قال تعالى : ﴿ إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ
لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللهُ
وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ . [ آل عمران : 68 ] . وقال تعالى - مبرئًا
خليله إبراهيم من اليهود والنصارى والمشركين - : ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ
يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا
كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ . [ آل عمران : 67 ] .
المسلمون لا ينكرون أن اليهود من نسل إبراهيم وإسرائيل ، ولكنهم يجزمون أن
اليهود من أعداء الله وأعداء رسله ، ومنهم : محمد ، وإبراهيم ، وإسرائيل ،
ويقطعون أن لا توارث بين الأنبياء وبين أعدائهم من الكافرين ؛ سواء كانوا
يهودًا ، أو نصارى ، أو من مشركي العرب وغيرهم ، وإن أولى الناس بإبراهيم
وسائر الأنبياء هم : المسلمون الذين آمنوا بهم ، وأحبوهم وأكرموهم ،
وآمنوا بما أنزل عليهم من الكتب والصحف ، واعتبروا ذلك من أصول دينهم ؛
فهم ورثتهم وأولى الناس بهم .
وأرض الله إنما هي لعباده المؤمنين به ، وبهؤلاء الرسل الكرام ، قال تعالى
: ﴿ وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ
الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ . إِنَّ فِي هَذَا لَبَلاغًا
لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ . وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً
لِّلْعَالَمِينَ ﴾ . [ الأنبياء : 105 - 107 ] .
فليس لأعداء الأنبياء وراثة في الأرض - ولا سيما اليهود - في هذه الدنيا ،
ولهم في الآخرة عذاب النار المؤبد ، وإنه ليتعجب من حال كثير من المسلمين
الذين سلموا لليهود بدعاوى وراثة أرض فلسطين ، والبحث عن هيكل سليمان الذي
يكفرونه ويرمونه بالقبائح ، وهم ألد أعداء سليمان وغيره من أنبياء بني
إسرائيل ، قال تعالى : ﴿ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ
تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا
تَقْتُلُونَ ﴾ . [ البقرة : 87 ] . كيف يسلم لهم - بعض المسلمين على الأقل
بلسان حالهم - بهذه الدعاوى الباطلة ؟! ويسمونهم مع ذلك بـ " إسرائيل " ،
وبـ " دولة إسرائيل " ! ، وإن لهم - والله - ليومًا من المؤمنين حقًا
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - ، وبالرسل ، ورسالاتهم أولياء الله ،
وأولياء أنبيائه ورسله .
فليعد المسلمون أنفسهم عقائديًا ومنهجيًا انطلاقًا من كتاب ربهم ، وسنة
نبيهم - صلى الله عليه وسلم - ، وما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم
- ، وأصحابه ، وما كان عليه اتباعه بإحسان من خيار التابعين ، وأئمة الهدى
والدين ؛ فإن هذا هو أعظم وسيلة لنصرهم على أعدائهم ، ولعزتهم ، وسعادتهم
، وكرامتهم في الدنيا والآخرة .
ولينفضوا أيديهم من الأهواء والبدع ، والتعصب للباطل وأهله ، ثم ليسعوا
جادين في الإعداد المادي من الأسلحة بمختلف أشكالها ، وما يلزم لذلك من
وعي وتدريب عسكري ، كما أمر الله بذلك ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ،
قال تعالى : ﴿ وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن
رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ ﴾ .
[ الأنفال : 60 ] . فالقوة في هذا النص تتناول كل قوة ترهب العدو من مختلف
الأسلحة .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ألا إن القوة الرمي . ألا إن
القوة الرمي . ألا إن القوة الرمي ) . والرمي : يتناول كل سلاح يرمى به ،
كل ذلك يجب تحصيله ، إما بالصناعة ، وإما بالشراء ، أو بغيرهما .
ولقد عجبت أشد العجب - مرة أخرى - من إطلاق هذا الاسم النبوي الشريف
الكريم على دولة الخبث ، وأمة الغضب ، وأمة البهت ، فيقال عنها ، وفي
الإخبار عنها ، وفي ذمها : " إسرائيل " ، و " دولة إسرائيل " كأن لغة
الإسلام العربية الواسعة قد ضاقت بهم فلم يجدوا إلا هذا الاسم ، ثم هل
فكروا في أنفسهم في هذا الأمر !؟ هل هو يرضي الله ، أو رسوله - صلى الله
عليه وسلم - !؟ وهل هو يرضي نبي الله إسرائيل ، أو هو يسوؤه لو كان حيًا !؟
ألا يعلمون أن الذم والطعن الذي يوجهونه لليهود باسمه ينصرف إليه من حيث
لا يشعرون ؛ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - : ( ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم !؟
يشتمون مذممًا ويلعنون مذممًا ، وأنا محمد ) . [ رواه أحمد والبخاري في "
صحيحه " برقم ( 3533 ) ، والنسائي ] .
فكيف تصرفون ذمكم ، ولعنكم ، وطعنكم لإعداء الله إلى اسم نبي كريم من أنبياء الله ورسله وأصفيائه !؟
فإن قال قائل : يوجد مثل هذا الاطلاق في التوراة !
قلنا : لا يبعد أن يكون هذا من تحريفات أهل الكتاب كما شهد الله عليهم
بأنهم يحرفون الكتاب بأيديهم ثم يقولون : هذا من عند الله ، بل في التوراة
المحرفة رمي لأنبياء الله بالكفر ، والقبائح ، فكيف يحتج بما في كتبهم
وهذا حالها !؟
والله اعلم
نقلا عن شبكة السحاب السلفية