ثالثًا: بعض ما ورد في فضائل أم المؤمنين عائشة:
لقد ورد في فضائل أم المؤمنين حبيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نصوص كثيرة جدًا من الأحاديث النبوية والآثار التي وردت عن الصحابة والتابعين، فقد أورد الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - أكثر من خمسة وعشرين نصًا في فضائلها رضي الله عنها وأرضاها، بينما سجل الحافظ الذهبي ترجمتها في كتابه العظيم «سير أعلام النبلاء» في سبع وستين صفحة، وهذا نادر في تراجم الصحابة فضلاً عمن بعدهم.
ونحن لا نستطيع أن نستقصي ما ورد في فضائلها - رضي الله عنها -، وإنما نجتزئ ببعض ما صح من الأخبار في هذا الشأن حتى يقف على ذلك من أراد الله - تعالى -به خيرًا في الدارين. والله المستعان، فمن ذلك:
1 ـ فضلها على سائر النساء:
عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «كَمُلَ من الرجال كثير، ولم يكمل من النساء إلا مريم بنت عمران، وآسيا امرأة فرعون، وفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». [متفق عليه]
وعن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام». [متفق عليه]
2 ـ عائشة زوج الرسول في الجنة:
عن عمار بن ياسرٍ - رضي الله عنه - قال وهو على منبر الكوفة: «والله إنها لزوجة نبيكم في الدنيا والآخرة».[أخرجه الحاكم وقال صحيح ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي]
وعن عائشة - رضي الله عنها - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكر فاطمة رضي الله عنها، قالت: فتكلمت أنا، فقال: «أما ترضين أن تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة»؟ قلت: بلى والله، قال: «فأنت زوجتي في الدنيا والآخرة». [أخرجه البخاري والترمذي وغيرهما]
3
ـ عائشة أول نساء النبي في اختيارهن الله ورسوله والدار الآخرة:
عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - حينما سأله ابن عباس - رضي الله عنهما - عن المرأتين من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اللتين قال الله لهما: إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا فقال: واعجبًا لك يا ابن عباس، عائشة وحفصة. قال عمر: فاعتزل النبي - صلى الله عليه وسلم - نساءه شهرًا، فلما مضت تسع وعشرون دخل على عائشة فبدأ بها، قالت عائشة: فأنزلت آية التخيير ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا)) [الأحزاب: 82-29]
قال - صلى الله عليه وسلم - لعائشة: (إني ذاكر لك أمرًا ولا عليك ألا تعجلي حتى تستأمري أبويك»، فلما ذكر لها - صلى الله عليه وسلم - الآية قالت: أفي هذا أستأمر أبويَّ؟، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة، ثم خير نساءه فاخترن مثل ما قالت عائشة - رضي الله عنها -).
الحديث بطوله متفق عليه، ولكن ذكرناه مختصرًا نظرًا لطوله، ذاكرين موضع الشاهد منه.
وأخرج مسلم نحوه من حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما -، وفي آخره قالت عائشة رضي الله عنها: لما تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الآية: أفيك أستشير أبويَّ؟! بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك ألا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت. قال: «لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها، إن الله لم يبعثني معنتًا ولا متعنتًا، ولكن بعثني معلمًا ميسرًا».
4 ـ حديث الإفك ونزول براءة عائشة من فوق سبع سماوات:
حديث عائشة - رضي الله عنها - في الصحيحين بطوله حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا، وقصت الخبر حتى قالت: دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهي عند أبويها ـ فسلم ثم جلس ـ قالت ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها، وقد لبث شهرًا لا يوحى إليه في شأني، قالت: فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس، ثم قال: أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا، فإن كنتِ بريئة فسيبرئك الله، وإن كنت ألْمَمْتِ بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه، قالت: فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت لأبي: أجب عني رسول الله فيما قال، قال: والله ما أدري ماذا أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت لأمي: أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت: إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به، فلئن
قلت إني بريئة ـ والله يعلم أني بريئة ـ لا تصدقونني بذلك، ولئن اعترفت لكم بأمر ـ الله يعلم أني منه بريئة ـ لتصدقنني، والله لا أجد لكم مثلاً إلا قولَ أبي يوسف قال: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ قالت: وأنا حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يُتْلَى، ولشأني في نفسي أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمر يتلى، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها، قالت: فأخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ما كان يأخذه من البُرحاء، فلما سُرِّيَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سُرِّيَ عنه وهو يضحك، فكانت أول كلمة تكلم بها: يا عائشة أما الله - عز وجل - فقد برأك..الحديث.
وفيه فأنزل الله: (( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ))[النور:2011-].
5 ـ الملك يأتي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بصورتها:
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم
-: «أريتك في المنام مرتين، يجئ بك الملك في سَرَقة من حرير ويقول: هذه امرأتك فأكشف عنها فإذا هي أنت، فأقول: إن يك هذا من عند الله يمضه»[متفق عليه]، وفي لفظ مسلم: «أريتك في المنام ثلاث ليالٍ».
6 ـ جبريل يقرئ عائشة السلام:
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا: «يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام». فقلت: و- عليه السلام - ورحمة الله وبركاته، ترى ما لا أرى، تريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. [متفق عليه]
7 ـ نزول الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في لحاف عائشة:
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، قالت: فاجتمع صواحبي إلى أم سلمة، فقلن يا أم سلمة: والله إن الناس يتحرون بهداياهم يوم عائشة، وإنا نريد الخير كما تريده عائشة، فمري رسول الله أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيث كان ـ أو حيث دار ـ قالت: فذكرت ذلك أم سلمة للنبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: فأعرض عني، فلما عاد إليَّ ذكرت له ذلك فأعرض عني، فلما كان في الثالثة ذكرت له فقال: «يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة، فإنه والله ما نزل عليَّ الوحيُ في لحاف امرأة منكن غيرها». [أخرجه البخاري والترمذي]