تأليه النبي صلى الله عليه وسلم
لقد غلا بعض أقطاب المتصوفة في النبي صلى الله عليه وسلم إلى درجة التأليه والعياذ بالله، وممن ذهب هذا المذهب الخطير عدد من أقطاب التصوف وهم على الترتيب الزمني:
محي الدين ابن عربي (ت 638)
:
(حيث صرح أن المهاجر من مكة الى المدينة كان هو الله . كما زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم جامع بين العبودية والربوبية) ذكر ذلك عنه الشيخ عبدالرحمن الوكيل رحمه الله في هذه هي الصوفية (ص 77 نقلا عن مجموعة الاحزاب ص2 ط استنبول سنة 1298).
عبدالكريم الجيلي (ت 832)
:
تأليه الجيلي صريح في أقواله وأشعاره وباعتراف من (يوسف بن إسماعيل النبهاني ت 1350) أحد الصوفية المعاصرين ومن منظري المولد النبوي وله مولد منظوم مشهور ينشد وهو عندي بصوت بعض المنشدين، حيث نقل عن الجيلي قوله في كتابه جواهر البحار (1/276):
"ثم رأيته رضي الله عنه ذكر في موضع آخر من كتابه هذا - الكمالات الالهية - أنه بينما كان جالسا أمام الحجرة النبوية، إذ كشف عنه الحجاب فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في الافق الاعلى بصفة الهية لا يشك فيها، ومكتوب حوله (قل هو الله احد)، فلما رجع إلى حسه نظر فإذا الحائط المقابل له قد كُتبت سورة قل هو الله احد).
ومما ذكره النبهاني عن الجيلي في جواهر البحار (4/239 - 240):
(ومن الفاظه المتشابهة المخالفة بحسب الظاهر للعقيدة الاسلامية قوله في أوائل الباب الاول منه قول الحق جل وعلا : (اني قد أختلست من ذاتي نسخة جامعة لأسمائي وصفاتي .... الخ - يعني محمدا صلى الله عليه وسلم - فقال النبهاني: وهذه العبارة معترضة منتقدة).
ومما ذكره النبهاني صراحة في تأليه النبي صلى الله عليه وسلم من قبل الجيلي قوله: "ومنها – أي من الامور المعترضة على الجيلي في رفعه النبي صلى الله عليه وسلم إلى مرتبة الالهية – قوله في أحد الابيات التي مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم في مقدمته:
شأن الاله وعين واحد ذاته المجتبى بصعوده المسعودي
وهذا من عجائب النبهاني أحد منظري المولد النبوي والاحتفال به، وله مولد منظوم ينشد في في منقطة الحجاز فيه طوام قد نعرض لها أن شاء الله.
وللجيلي أشعار في تاليه النبي ومما قاله في كتابه الانسان الكامل (1/13):
فهي من كون ذا ومحمد لحقيقة الأكوان
وهي المعرف بالعزيز وبالهدى ومن كونه ربا فداه جناني
إلى أن قال:
ولأجل رب عين وصفك عينه ها أنت مصباح ونور بياني
وللجيلي قصيدة مدح بها النبي صلى الله عليه وسلم أسماها "الدرة الوحيدة في اللجة السعيدة" وصف بها النبي صلى الله عليه وسلم بصفات لا تليق الا بالله عزوجل ومما قاله فيها في الكتاب السابق (2/73).:
ملك وفوق الحضرة العليا على العرش المكين مثبت إمكانه
ليس الوجود بأسره إن حققوا الا حُبابا طفّحَته دنانه
الكل فيه ومنه وعنده تفنى الدهور ولم تزل أزمانه
فالخلق تحت سما علاه كخردل والامر يبرمه هناك لسانه
والكون أجمعه لديه كخاتم في إصبع منه أجل أكوانه
والملك والملكوت في تياره كالقطر بل من فوق ذاك مكانه
وتطيعه الاملاك من فوق السما واللوح ينفذ ما قضاه بنانه
إلى أن قال:
والعرش والكرسي ثم المنتهى مجلاه ثم محله ومكانه
ومما قاله الجيلي أيضا المصدر السابق (2/59): "إعلم أيدك الله بروح منه ولا أخلاك في وقت عنه، أن الله تعالى لما خلق محمدا صلى الله عليه وسلم من كماله، وجعله مظهرا لجماله وجلاله خلق كل حقيقة في محمد صلى الله عليه وسلم من حقيقة من حقائق أسمائه وصفاته، ثم خلق نفس محمد صلى الله عليه وسلم من نفسه، وليست النفس الا ذات الشيء".
ومما يعجب له ويستحيل صدوره من عاقل دعوى الجيلي الالوهية، ومما قاله في ذلك المصدر السابق (1/31):
لي الملك في الدارين لم أر فيهما سواي فأرجو فضله أو فأخشاه
إلى أن قال:
فإني ذاك الكل والكل مشهدي أنا المتجلي في حقيقته لاهو
وإني رب للأنام وسيد جميع الورى إسمي وذاتي مسماه
لي الملك والملكوت نسجي وصنعتي لي الغيب والجبروت مني منشاه
وإن تعجب من الجيلي فيما ذهب إليه من إلحاد وزندقة فما وصفه به النبهاني أعجب ويدعو للحيرة والتوقف أمام هؤلاء القوم والتساؤل كيف يعظمون أقطابهم ويسكتون عن إلحادهم وزندقتهم، فقد مدح النبهاني كتاب الجيلي الذي أله فيه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله في جواهر البحار (4/240): "فإن هذا الكتاب لا نظير له في معناه، ومؤلفه من أجلِّ الاولياء الذين أطلعهم الله تعالى على علو قدر حبيبه ومصطفاه".